
برغراف
نفت وزارة النقل والاتصالات في حكومة إقليم كوردستان صحة التصريحات المنسوبة إلى مسؤولين في الحكومة الاتحادية، والتي ادعت التوصل إلى اتفاق بين الطرفين بشأن المخطط النهائي لمشروع طريق التنمية (سكك الحديد – الطريق الدولي السريع) داخل إقليم كوردستان.
وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن هذه الادعاءات غير صحيحة ولا تعكس الواقع، موضحة أن آخر تواصل رسمي بين الجانبين جرى خلال اجتماع إيجابي في أربيل بتاريخ 23 أيار 2024، حيث توصل الطرفان إلى محضر مشترك بعد نقاشات مكثفة واتصال مباشر بين وزيري النقل في الحكومتين. وتم التوقيع عليه بالإجماع ليكون خارطة طريق نحو تحديد مسار المشروع.
وبموجب الاتفاق، كان من المفترض تقديم المحضر إلى رئيسي الوزراء في بغداد وأربيل للموافقة النهائية. إلا أن وزارة النقل في كوردستان فوجئت بعد ساعات من التوقيع بعدم مشاركة الوفد الاتحادي في الزيارة الميدانية للمسار المقترح داخل الإقليم والمناطق المجاورة. وبعد ثلاثة أيام، وبدلاً من عرض المحضر على رئيس الوزراء العراقي، ألغته وزارة النقل الاتحادية بشكل مفاجئ عبر كتاب رسمي (الرقم 11K3326 بتاريخ 26 أيار 2024) موقع من الوزير رزاق محيبس عجيمي السعداوي، دون تقديم أي مبررات.
وأشارت الوزارة إلى أن أجواء الاجتماع الذي عقد في قاعة الشهيد سعد عبدالله في أربيل كانت إيجابية ومبنية على التعاون الوطني والأخوي، بحضور الشركة الاستشارية الإيطالية ومكتب باور الهندسي. وعقب التوقيع، تم عقد مؤتمر صحفي مشترك عكس دعمًا واسعًا للمشروع. لكن ما حدث بعد ذلك من إلغاء غير مبرر للمحضر أثار تساؤلات عديدة وخيبة أمل كبيرة.
الطريق المقترح من قبل حكومة إقليم كوردستان
أكدت وزارة النقل والاتصالات في حكومة إقليم كوردستان أن مسار المشروع الذي اقترحته أقصر بـ 32 كيلومترًا وأكثر كفاءة وأمانًا، حيث يمر من:
• مدينة الموصل شرق نهر دجلة
• سهل نينوى – قضاء الحمدانية – قضاء تلكيف
• قضاء سيميل في دهوك
• قرية ديرابون شرق نهر دجلة
• الحدود العراقية – التركية ضمن قرية قرولا في ناحية رزكاري في إدارة زاخو المستقلة
وشددت الوزارة على أن هذا المسار أقل تكلفة على المدى المتوسط والطويل، وأكثر أمانًا، ويدعم المجتمعات المتنوعة في سهل نينوى، فضلًا عن أنه يسهم في إعادة إعمار المناطق المتضررة من داعش. كما انتقدت المسار البديل الذي اقترحته الحكومة الاتحادية، والذي يمر عبر مناطق صحراوية نائية، متجاهلًا المدن والمناطق السكنية المتضررة.
لا اتفاق نهائي دون شراكة حقيقية
جددت وزارة النقل والاتصالات تأكيدها على أن المزاعم حول وجود اتفاق مع بغداد لا أساس لها من الصحة. وأوضحت أن أي قرار نهائي بشأن مسار المشروع في إقليم كوردستان والمناطق المجاورة يتوقف على استعداد الحكومة الاتحادية للعمل المشترك بروح مهنية ومنصفة.
واختتم البيان بالتأكيد على أن حقوق إقليم كوردستان الدستورية غير قابلة للتفاوض، وأن مشروع طريق التنمية يجب أن يكون مشروعًا وطنيًا يخدم جميع العراقيين دون استثناء أو إقصاء.
في 12 فبراير 2025، التقى رئيس وزراء إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، بوزير المالية التركي، محمد شيمشك، لبحث مشروع طريق التنمية الذي تقدر تكلفته بـ17 مليار دولار في العراق، ويهدف إلى ربط الخليج بأوروبا عبر تركيا. وخلال الاجتماع، شدد بارزاني على ضرورة إشراك إقليم كوردستان في المشروع، مشيرًا إلى أن استبعاده قد يضر بالمصالح الاقتصادية والتجارية للمنطقة.
وقال بارزاني: “ناقشنا أهمية مشروع طريق التنمية ودوره في ربط الخليج والعراق وإقليم كوردستان بتركيا وأوروبا عبر السكك الحديدية، واتفقنا على ضرورة المشاركة الفعالة لإقليم كوردستان في هذا المشروع الاستراتيجي.”
الجدل حول مشاركة إقليم كوردستان
من جانبه، أبدى وزير إعادة الإعمار والإسكان في حكومة إقليم كوردستان، دانا عبد الكريم، تحفظاته بشأن استبعاد الإقليم من المشروع. ففي 18 يناير، وصف المشروع بأنه “أهم مبادرة استراتيجية منذ تأسيس العراق”، لكنه انتقد بغداد لعدم التشاور مع السلطات الكوردية. وقال عبد الكريم: “إقليم كوردستان لن يستفيد بالتأكيد من هذا المسار”، معتبرًا أن تجاوز بغداد للأراضي الكوردية يعكس استمرار “التفكير المركزي.”
يُعرف طريق التنمية باسم “طريق الحرير العراقي”، حيث يهدف إلى تسهيل التجارة بين آسيا وأوروبا عبر ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق، مرورًا بتركيا من خلال شبكة سكك حديدية وطرق سريعة. حاليًا، يمر المسار الأساسي عبر محافظة نينوى، متجنبًا إقليم كوردستان، باستثناء جزء صغير يمر عبر محافظة دهوك قرب الحدود التركية.
وطالبت حكومة إقليم كوردستان بإعادة النظر في تصميم الطريق ليشمل المزيد من المناطق الكوردية، مؤكدة أن الموقع الاقتصادي والاستراتيجي للإقليم سيعزز نجاح المشروع. إلا أن الحكومة الفيدرالية رفضت هذه المطالب، كما استبعدت مقترحات بديلة من حكومة إقليم كوردستان، مثل الطرق التي تمر عبر كركوك وأربيل أو المسارات الواقعة شرق نهر دجلة.
المخاطر الاقتصادية والرفض الفيدرالي
يُتوقع أن يحقق طريق التنمية عائدات تصل إلى 4 مليارات دولار سنويًا من خلال التجارة والخدمات اللوجستية. وإذا تم استبعاد إقليم كوردستان، فقد يخسر جزءًا كبيرًا من هذه الفوائد الاقتصادية. وأكد عبد الكريم أن دمج الإقليم في المشروع لن يعزز الاقتصاد المحلي فحسب، بل سيقوي أيضًا الروابط الاجتماعية بين العراق وإقليم كوردستان.
من المقرر أن يكتمل المشروع بحلول عام 2050، مع تخصيص 5 مليارات دولار لتوسعة ميناء الفاو، بالإضافة إلى بناء السكك الحديدية والطرق السريعة على ثلاث مراحل. ومن المتوقع أن تصل سرعة القطارات الجديدة إلى 300 كيلومتر في الساعة، مما يقلل مدة الشحن بين أوروبا والخليج من 33 يومًا إلى 15 يومًا فقط.