اعترافات عجاج النكرة سلمان: التجويع والاغتصاب اليومي استخدما كسلاح إبادة جماعية في الانفال
برغراف
أعاد اعتقال عجاج احمد حردان العبيدي، المعروف لدى الناجين باسم “حجاج النكرة سلمان”، فتح بعض من أظلم فصول جريمة الإبادة الجماعية في الانفال. فقد كشفت اعترافاته الأخيرة لصحيفة الصباح الرسمية عن تفاصيل مرعبة بشأن استخدام التجويع والعنف الجنسي كأدوات متعمدة للإبادة ضد المعتقلين الكورد.
عجاج، المولود في محافظة صلاح الدين والمتخرج من كلية الامن الوطني، اعترف في إفادته بأنه أشرف شخصيا على التعذيب المنهجي والانتهاكات في سجن النكرة سلمان. وقال إنه عند تسلمه إدارة السجن عام 1989 تم إخلاء المعتقل من نحو 400 معتقل عربي واستبدالهم بما يقارب 3000 رجل وامرأة وطفل من الكورد تم نقلهم من السليمانية واربيل.
وفي اعترافاته لم ينكر عجاج مسؤوليته، بل شرح الأسلوب قائلا: “استخدمنا التجويع كسلاح حرب لا يقل فتكا عن القصفالعسكري. ثلثا المعتقلين ماتوا خلال عشرة اشهر فقط”. كما أقر بأن الاغتصاب كان يُمارس بشكل يومي، واصفا إياه بأنه سياسة منظمة وليست ممارسات فردية.
بالنسبة للناجين، لم تكن هذه الكلمات سوى تأكيد لما ظلوا يروونه منذ عقود. يقول علي ابوبكر، الذي كان في الثانية عشرة من عمره عندما اُخذت عائلته إلى النكرة سلمان: “هذا الرجل لم يعرف الرحمة. ظننت أن والدي مات بعد أن ضُرب، لكنههمس لي قائلا: تظاهرت أنني مت، اذهب. تلك الذكريات لم تتركني ابدا.”
وقد بلغت سمعة عجاج في القسوة درجة جعلت المعتقلين يلقبونه بـ”الحجاج”، في إشارة إلى الوالي الأموي المعروف بعمليات الإعدام الجماعية. ويتهمه الناجون بتحويل سجن الصحراء إلى معسكر موت، حيث كان الجوع والحرارة والإذلال فتاكة بقدر الرصاص.
بعد سقوط نظام صدام حسين اختفى عجاج. وعلى مدى سنوات ترددت الشائعات؛ قيل إنه فر إلى سوريا أو السعودية، أو إنه مات بالسرطان، أو أصيب بالشلل إثر جلطة. لكن في الحقيقة كان مختبئا في صلاح الدين متنقلا بين تكريت والعوجة وبيجي، بل وخضع لإجراءات تجميلية لتغيير ملامحه.
وجاء إعلان اعتقاله في 31 تموز على لسان السيدة الأولى في العراق، شَنَاز ابراهيم احمد، التي قالت إن مكتبها كان يتعقبه منذ ثمانية أشهر. وبعد يوم واحد أكدت جهاز الامن الوطني العملية ونشر صورا لعجاج وهو رهن الاحتجاز.
وجاء الاعتقال بعد أيام قليلة من تقديم الناجين شكاوى رسمية إلى المحكمة. وقال علي درويش، الذي قُتل عدد من أقاربه خلال الانفال: “بعد أقل من 48 ساعة من تقديمنا القضية، ألقت قوات الامن القبض عليه.”
ويرى خبراء قانونيون أن توقيف عجاج قد يشكل نقطة تحول. وقال الدكتور هنار امين، الباحث في دراسات الإبادة الجماعية: “هذه لحظة مفصلية. اعترافات عجاج تثبت أن التجويع والعنف الجنسي لم يكونا عرضيين، بل كانا ممنهجين. محاكمتهيمكن أن تشكل أساسا لجهود جديدة لتوثيق جرائم الانفال ومحاسبة المسؤولين عنها.”
بين شباط وأيلول 1988، ارتكب نظام البعث حملات إبادة وتهجير راح ضحيتها ما يقدر بـ182 ألف كوردي. آلاف آخرون اختفوا في المقابر الجماعية، وأصبح سجن النكرة سلمان رمزا لمعاناتهم. واليوم، ومع مثول عجاج أمام العدالة، يأمل الناجون أن كلماته ــ اعترافه باستخدام التجويع والاغتصاب كأدوات للقتل الجماعي ــ ستقوي مطلبهم بالمحاسبة.
وختم الدكتور امين بالقول: “هذا الاعتقال يجب ألا يكون النهاية بل البداية. العدالة لكوردستان انتظرت طويلا.”