صدام جديد بين بغداد واربيل حول اتفاقيات الطاقة الضخمة

20-05-2025 05:32

برغراف

في خطوة جديدة تؤكد تصاعد الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كوردستان، اصدرت وزارة النفط العراقية ايضاحا رسميا اعلنت فيه رفضها الكامل للاتفاقيات الاخيرة التي ابرمتها حكومة الاقليم لتطوير حقلي الغاز "ميران" و"توبخانة-كردمير" في محافظة السليمانية، ووصفت هذه العقود بانها باطلة ومخالفة للدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية العليا.

وصدر هذا الايضاح في 20 ايار 2025، ردا على اعلان حكومة الاقليم توقيع اتفاقيتين ضخمتين مع شركتي الطاقة الامريكيتين HKN/Onex Group (العاملة باسم Miran Energy) وWestern Zagros، بقيمة اجمالية تتجاوز 100 مليار دولار. وقد جرت مراسم التوقيع في العاصمة الامريكية واشنطن، بغياب اي تمثيل للحكومة الفيدرالية، ما اثار غضب بغداد ودفع وزارة النفط الى اصدار بيانها التحذيري.

واكدت وزارة النفط في بيانها ان التعاقد مع شركات اجنبية لاستثمار الثروات الطبيعية يقع ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية حصرا، وان العقود التي ابرمتها وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم تعد مخالفة صريحة لقرارات محكمة التمييز الاتحادية، في اشارة الى الحكمين الصادرين في الدعويين (59 اتحادية 2012) و(110 اتحادية 2019) اللذين شددا على بطلان العقود المبرمة دون اشراف مركزي.

واوضحت الوزارة ان الثروات النفطية والغازية هي ملك لجميع ابناء الشعب العراقي، وان اي خطوة لاستثمارها ينبغي ان تتم من خلال الحكومة المركزية، رغم الحاجة الماسة الى تطوير قطاع الغاز لسد عجز الكهرباء في البلاد.

رؤية حكومة اقليم كوردستان

من جهتها، وصفت حكومة اقليم كوردستان الاتفاقيات بانها خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتامين الامدادات الكهربائية على مدار الساعة داخل الاقليم، مع امكانية تزويد باقي مناطق العراق بالفائض من الانتاج.

وقال رئيس وزراء الاقليم، مسرور بارزاني، من واشنطن: "هذه الاتفاقية، التي تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار، تظهر التزام الاقليم بالسلام والتنمية الاقتصادية". واضاف وزير الموارد الطبيعية بالوكالة، كمال محمد، ان حكومة الاقليم لم تتشاور مع بغداد، وانها لا تنتظر موافقتها.

وقد اعادت هذه الازمة الجديدة الى الواجهة الجدل المستمر حول دستور العراق لعام 2005، الذي لم يحسم بشكل واضح مسألة ادارة النفط والغاز بين المركز والاقليم. وتعارض بغداد عقود تقاسم الانتاج PSC التي يعتمدها الاقليم، معتبرة انها تمنح الشركات الاجنبية نفوذا مفرطا، وتفضل بدلا منها عقود الخدمة الفنية.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد اصدرت في 2022 قرارا اعتبرت فيه قانون النفط والغاز الصادر عن حكومة الاقليم غير دستوري، وطالبت بنقل كامل الصلاحيات الى الحكومة الاتحادية. ورغم محاولات عديدة لاقرار قانون اتحادي موحد، لا تزال الخلافات السياسية تحول دون تحقيق ذلك.

الابعاد الجيوسياسية والاقتصادية

تحمل الاتفاقيات الجديدة بعدا استراتيجيا يتجاوز الجانب الاقتصادي، اذ يراها بعض المحللين تحديا سياسيا من قبل حكومة الاقليم في سياق سعيها لتعزيز استقلالها، لا سيما وان العقود وقعت في واشنطن بدعم واضح من الولايات المتحدة، وهو ما قد يفسر على انه غطاء دبلوماسي دولي.

كما ان تعليق صادرات نفط الاقليم عبر تركيا منذ اذار 2023، واستمرار الازمة المالية لحكومة كوردستان، يفسر سعي اربيل الى تطوير بدائل محلية من الغاز لتامين الايرادات والطاقة داخليا.

وفي ظل الازمة المزمنة في الكهرباء، قد تجد بغداد نفسها في موقف صعب: اما ان ترفض الغاز المنتج في الاقليم حفاظا على الشرعية الدستورية، او ان تقبله لتخفيف معاناة المواطنين، ما قد يعد اعترافا ضمنيا بشرعية العقود. والمفارقة ان كلا من بغداد واربيل بحاجة الى الاخرى في هذه المعادلة، رغم تصاعد الخطاب السياسي بين الطرفين.

بين تهديدات بغداد القانونية وخطاب اربيل الاستقلالي، يخيم على مستقبل قطاع الطاقة العراقي غموض كبير. فهل ستلجأ الحكومة المركزية الى القضاء مجددا؟ ام تصعد بخطوات اقتصادية مضادة؟ ام تضطر الى فتح باب التفاوض تحت ضغط الازمة الكهربائية؟

الشيء المؤكد ان الاتفاقيات الاخيرة وضعت ملف النفط والغاز مرة اخرى في قلب التوترات السياسية بين المركز والاقليم، في لحظة دقيقة ومشحونة، ليس فقط محليا، بل دوليا ايضا.