أزمة تلو الأخرى: تأخر الرواتب يشل الأسواق في إقليم كوردستان

24-06-2025 03:45

برغراف

رغم الازدحام الظاهري في الأسواق والمراكز التجارية في إقليم كوردستان، يؤكد أصحاب المحال أن الحركة لا تنعكس على المبيعات. ومع مرور أكثر من شهرين على آخر صرف للرواتب وتصاعد التوترات الإقليمية، أصبح المستهلكون أكثر حذرا وتوجسا، ما أدى إلى ركود اقتصادي واضح.

هذا المشهد بات مألوفًا في مدن الإقليم، حيث تفاقم الأزمة المالية، وعلى رأسها تأخر صرف الرواتب، من حجم المعاناة العامة. أكثر من 1.2 مليون موظف حكومي لا يزالون بانتظار راتب شهر أيار، وسط غياب أي مؤشرات على قرب الحل.

في أحد أكثر أسواق المواد الغذائية ازدحامًا وسط أربيل، يقف سلام عبدالله خلف منضدته ممسكًا بقطعة حلوى، كعادته اليومية. يقول متنهّدًا: "الوقت يقترب من المساء، ولا بيع يُذكر. إذا استمر الوضع بهذا الشكل، لن أتمكن حتى من دفع إيجار المحل".

الأمل مفقود. لا حديث عن صرف مرتقب للرواتب، في ظل استمرار الخلاف المالي المزمن بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في بغداد بشأن الإيرادات النفطية ومستحقات الموازنة.

ويضيف سلام: "الناس يعلّقون آمالهم على حكم من المحكمة الاتحادية العليا يجبر وزارة المالية على صرف المستحقات، لكن هذا قد يستغرق أسابيع، إن لم يكن شهورًا".

أما صبيحة أحمد، وهي موظفة حكومية، فتقول: "أن تكون موظفًا حكوميًا هنا يعني أنك تعيش دائمًا على الحافة. لا نشتري إلا الضروريات، وكل شيء بالدين. لا نعرف إلى متى سنحتمل".

جذر الأزمة
تعود جذور الأزمة إلى عام 2014، حين بدأ الإقليم تصدير النفط بشكل منفرد، ما دفع بغداد إلى وقف تحويلات الموازنة، ليتحوّل ذلك إلى نزاع مستمر. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي خالد حيدر: "الوضع الحالي غير مستدام، لا اقتصاديًا ولا اجتماعيًا. تأخر صرف الرواتب لا يضر فقط بالموظفين، بل يعطل دورة السوق بالكامل. الجميع يتأثر: التجار، المحال، النقل، والموردون".

وفي أحد متاجر السليمانية، يتجوّل سربست مريوان بين رفوف شبه فارغة، يلاحظ أن البضائع المخفّضة قبل العيد لا تزال على حالها. يقول: "في السابق، كانت الخصومات تجذب الزبائن خلال ساعات. اليوم، حتى الخصومات لا تُغري أحدًا. الناس ببساطة لا تملك المال".

في محاولة لتقليل الخسائر، بدأ المتجر بوضع خطة لخفض الأسعار أكثر، رغم تكبد خسائر إضافية.

قلق مزدوج
ولا يقتصر الأمر على الشلل الاقتصادي. فتصاعد التوتر الإقليمي، خصوصًا بين إيران وإسرائيل، وإغلاق المطارات مؤقتًا، ألقى بظلاله على السكان الذين باتوا يستعدون للأسوأ.

وعلى الرغم من تلك المخاوف، يؤكد مسؤولون أن الإقليم لا يواجه خطر نقص في المواد الغذائية. ويقول نوزاد شيخ كامل، المدير العام للتجارة في حكومة الإقليم، لـ"برغراف": "البضائع لا تزال تتدفق من الدول المجاورة، ومستودعاتنا ممتلئة. حتى في حال الطوارئ، لدينا مخزون يكفي لعام كامل".

لكن هذه الطمأنات لم تقنع الجميع. يعلّق خالد حيدر: "الناس هنا عاشوا الحروب والمجاعات، ويصعب عليهم تصديق الوعود. بعض العائلات بدأت تقترض لتخزين المواد الأساسية، مما يزيد من مأساتهم".

ويحذر حيدر من أن أي تصعيد إقليمي سيُفاقم الوضع الاقتصادي في العراق عمومًا، وفي كوردستان على وجه الخصوص.

في محاولة لاحتواء التضخم وضبط الأسعار، نشرت حكومة الإقليم لجانًا خاصة لمراقبة الأسواق. وقال نوزاد شيخ كامل: "كل من يضبط وهو يحتكر السلع أو يرفع الأسعار سيُحال إلى القضاء".

من جانبه، يشير مصطفى عبدالرحمن، رئيس اتحاد مستوردي ومصدّري كوردستان، إلى أهمية الإقليم في التجارة الخارجية العراقية. ويقول: "من أصل 20 مليار دولار هي قيمة التجارة السنوية بين العراق وإيران، تمر ستة مليارات منها عبر كوردستان".

ويملك الإقليم ثلاثة معابر رئيسية مع إيران – برويزخان وباشماخ في السليمانية، وحاج عمران في أربيل – بالإضافة إلى علاقات تجارية نشطة مع تركيا.

لكن، ومع ذلك، فإن أي حجم من التجارة لن يعيد الحيوية إلى سوق متجمدة طالما الرواتب لا تُصرف. فبالنسبة لكثيرين، لم يعد الحديث عن تحسين المعيشة، بل عن النجاة اليومية. ومع تراكم الأزمات، بدأت قدرة الناس على التحمل تنفد.