وجوه متكررة وانتخابات جديدة: تصاعد الإحباط بين ناخبي كوردستان قبيل الانتخابات البرلمانية العراقية

برغراف
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، يبدو المشهد السياسي في إقليم كوردستان جامدًا إلى حد كبير، لا سيما من حيث المرشحين. فبينما تتزايد دعوات التغيير وتجديد الطبقة السياسية، تعج القوائم الانتخابية للأحزاب الكبرى، سواء الحاكمة أو المعارضة، بالأسماء ذاتها التي هيمنت على الحياة السياسية خلال العقدين الماضيين. نواب حاليون وسابقون، وزراء، محافظون، وكوادر حزبية تقليدية. هذا النمط المتكرر من الترشيحات عمق مشاعر الإحباط لدى شريحة واسعة من الناخبين، خصوصًا بين الشباب والعاطلين عن العمل، الذين يرون في هذا التكرار تجاهلًا لرغبتهم في التغيير الحقيقي.
مرشحون مألوفون ونتائج متوقعة
لم تقدم الأحزاب الكبرى في الإقليم تغييرات ملموسة في قوائمها. فقد أعاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني ترشيح نوابه الحاليين والسابقين في أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك، فيما سار الاتحاد الوطني الكوردستاني على النهج ذاته، مع ترشيح نواب حاليين في أربيل ودهوك، ونائب سابق يشغل حاليًا منصب محافظ كركوك، إلى جانب وزير صحة سابق عن السليمانية.
حتى الأحزاب المعارضة، التي يُفترض بها أن تقدم بدائل، لم تخرج عن هذا القالب. فقد رشحت حركة الجيل الجديد نوابًا حاليين وسابقين، وكذلك فعل الاتحاد الإسلامي الكوردستاني في معظم المحافظات. أما الأحزاب الناشئة مثل حركة هلويست وجبهة باراي جل، فقد ضمت في قوائمها برلمانيين سابقين، ما أفقدها بريق التجديد في نظر كثير من المواطنين.
هذا التكرار في الأسماء دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن هدف الطبقة السياسية لم يعد خدمة المواطنين، بل الحفاظ على الامتيازات والمناصب.
الوجوه ذاتها والمآسي مستمرة
يقول خالد علي، شاب عاطل عن العمل من السليمانية:
لا أفهم المعايير التي تعتمدها الأحزاب في ترشيح هذه الوجوه نفسها مرارًا وتكرارًا. البعض جربوا وفشلوا، ومع ذلك يعودون للترشح وكأنهم وحدهم المؤهلون لتمثيلنا. ماذا قدموا في الماضي حتى نعوّل عليهم في المستقبل؟
يرى خالد أن الدوافع الشخصية، خصوصًا المادية، تسيطر على رغبة كثير من المرشحين في دخول البرلمان. ويضيف: "الراتب البرلماني يتجاوز ٢٥ مليون دينار شهريًا. لقد تحول البرلمان إلى وسيلة للإثراء، لا لخدمة الناس. على هؤلاء أن يفسحوا المجال لآخرين."
كان خالد برفقة صديقه أحمد قادر، الذي قال لبرغراف: "أشعر بالإحباط نفسه. كان على الأحزاب أن ترشح وجوهًا جديدة تبعث الأمل وتدفع الناس للمشاركة. لكنهم يعودون بالأسماء ذاتها التي لم نجن منها شيئًا".
مقاطعة متزايدة وفقدان الثقة
الإحباط لم يعد مجرد شعور، بل تحول إلى مواقف ملموسة مثل المقاطعة. لانا بختيار، شابة من السليمانية، قررت عدم المشاركة في الانتخابات. تقول:
لم أر تغييرًا في حياتي بسبب النواب. البرلمان غائب منذ عامين، ووضعنا الاقتصادي يزداد سوءًا. لماذا أصوّت إذا كان ذلك يغير حياة السياسيين فقط؟
لانا لم تجدّد بطاقتها البيومترية، وبالتالي فقدت حقها في التصويت. ويبدو أنها ليست الوحيدة، إذ تشير بيانات حصلت عليها برغراف من مصادر في المفوضية إلى أن نحو ٧٠٠ ألف ناخب من أصل ٣.٨ مليون في إقليم كوردستان، أي أكثر من ١٨٪، لم يجددوا تسجيلهم خلال حملة استمرت ثلاثة أشهر.
هذه الأرقام تعكس موجة عزوف صامتة، لكنها عميقة، عن العملية الانتخابية. يصفها مراقبون بأنها مقاطعة مبكرة ناتجة عن فقدان الثقة المتزايد بالمؤسسات السياسية.
تباين في الآراء داخل الأحزاب
رغم الانتقادات الشعبية، لا تزال بعض الأوساط الحزبية تدافع عن ترشيح الأسماء القديمة. آرام محمد، كادر في أحد الأحزاب في أربيل، فضل عدم كشف هويته الكاملة، يرى أن الخبرة السياسية ضرورية، خاصة في البرلمان العراقي.
يقول آرام: "أنا أدعم ترشيح نوابنا الحاليين، فهم يمتلكون خبرة ضرورية للدفاع عن حقوقنا في بغداد. الانتقاد يجب أن يشمل المؤسسات الأخرى التي تتمتع بامتيازات أكبر، لا النواب فقط".
أزمة بنيوية في النظام السياسي
من جانبه، يرى آرام جمال، خبير الانتخابات في المعهد الكوردي للانتخابات، أن تكرار الأسماء ليس بالضرورة مؤشرًا سلبيًا، لكنه ينتقد طريقة تعامل الأحزاب مع البرلمان كمؤسسة.
يقول جمال: الخبرة ضرورية في العمل البرلماني، لكن المشكلة أن الأحزاب لم تنتج قيادات جديدة، واكتفت بالأسماء القديمة. كما ساهمت هي نفسها في إضعاف البرلمان لصالح السلطة التنفيذية.
ويضيف أن النظام الانتخابي الجديد يسهم في تكريس هيمنة الأحزاب الكبيرة: اعتماد طريقة سانت ليغو المعدلة بالقاسم ١.٧ يسمح بدخول المرشحين إلى البرلمان بعدد محدود من الأصوات. هذا يفيد الأحزاب الكبرى ويقصي المستقلين. في نظام ٢٠٢١ القائم على الدوائر الفردية، كانت الأحزاب مجبرة على ترشيح أسماء شعبية قادرة على كسب الأصوات. بعد انسحاب الصدريين، كان أول ما فعلته الأحزاب هو تغيير النظام لصالحها.
هيكل البرلمان وتأثير التغييرات
يتكون مجلس النواب العراقي من ٣٢٩ مقعدًا، منها ٨٣ مخصصة للنساء، و٩ للأقليات. أما إقليم كوردستان، فيحصل على ٤٤ مقعدًا: ١٨ للسليمانية، ١٥ لأربيل، و١١ لدهوك. ولا تُحسب حلبجة كمحافظة مستقلة في هذه الدورة.
يُنظر إلى التحول إلى نظام سانت ليغو باعتباره خطوة لتعزيز وضع الأحزاب التقليدية على حساب التعددية والتمثيل المستقل. ويرى مراقبون أن هذا التغيير سيوسع الفجوة بين الناخبين والطبقة السياسية.
مع اقتراب موعد الاقتراع، تبدو انتخابات ٢٠٢٥ في كوردستان وكأنها ستجرى في أجواء من اللامبالاة الشعبية. وبينما تؤكد الأحزاب على أهمية الخبرة والاستمرارية، يطالب المواطنون، خصوصًا الشباب، بدخول وجوه جديدة إلى النظام السياسي.
التحدي الأكبر لا يكمن فقط في نسبة المشاركة، بل في مدى قدرة هذه الانتخابات على تجديد ثقة الشارع بالمؤسسات الديمقراطية. فهل ستكون صناديق الاقتراع وسيلة للتغيير، أم مجرد أداة لتكريس واقع سياسي مأزوم؟