تصاعد هجمات الطائرات المسيرة في كوردستان: فشل من بغداد ام اهمال متعمد؟

15-07-2025 03:27
السنة اللهب تتصاعد بعد هجوم بطائرة مسيرة مفخخة تسبب في انفجار في حقل سرسنك النفطي في دهوك، 15 تموز 2025
برغراف
 
يشهد اقليم كوردستان منذ اسبوعين تصاعدا خطيرا في وتيرة هجمات الطائرات المسيرة المفخخة، استهدفت خلالها البنى التحتية النفطية والمنشآت الامنية والمناطق المدنية، ما اثار موجة واسعة من القلق بشأن التدهور الامني في ظل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
 
فمنذ 30 حزيران، سجل اكثر من عشر هجوما بطائرات المسيرة المفخخة، في مختلف محافظات الاقليم، بما في ذلك اربيل والسليمانية ودهوك وزاخو. واستهدفت هذه الهجمات مواقع استراتيجية، شملت حقولا للنفط والغاز، ومنشآت عسكرية، ومخيمات للنازحين، مما القى بظلاله على الاقتصاد المحلي وهدد سلامة المواطنين.
 
وكانت الهجمات الاعنف قد وقعت خلال 48 ساعة فقط، يومي 14 و15 تموز، حيث استهدفت طائرتان مسيرتان مساء الاثنين حقل خورمالا النفطي في محافظة اربيل، ما الحق اضرارا بالبنية التحتية دون تسجيل اصابات. وفي صباح اليوم التالي، عند الساعة السابعة، ضربت طائرة مسيرة حقل سرسنك النفطي في دهوك، متسببة بانفجار كبير ادى الى توقف الانتاج. واكدت شركة HKN Energy المشغلة للحقل وقوع الانفجار وتعليق العمليات مؤقتا.
 
وزارة الموارد الطبيعية في حكومة اقليم كوردستان دانت بشدة الهجومين، واصفتهما بـ"الهجومين الارهابيين" ضد البنية التحتية الاقتصادية. واشارت الوزارة في بيان لها الى ان "حماية الاصول الاستراتيجية باتت امرا ملحا"، داعية الحكومة الاتحادية في بغداد الى التحرك الفوري وتحمل مسؤولياتها.
 
القنصلية العامة للولايات المتحدة في اربيل اصدرت بيانا شديد اللهجة، اعربت فيه عن قلقها البالغ ازاء تزايد الهجمات بالطائرات المسيرة، لاسيما تلك التي وقعت يومي 14 و15 تموز واستهدفت حقلي خورمالا وسرسنك. ووصفت القنصلية هذه الضربات بانها هجمات ضد "بنية تحتية حيوية" في اقليم كوردستان العراق، مؤكدة ان على الحكومة العراقية بسط سلطتها ومنع الفاعلين المسلحين من تنفيذ مثل هذه الهجمات داخل حدود البلاد، خاصة ضد مواقع تستثمر فيها شركات عراقية ودولية.
 
واضاف البيان ان "هذه الهجمات غير مقبولة، وتقوض سيادة العراق، وتضر بجهوده الرامية الى جذب الاستثمارات الاجنبية"، داعيا بغداد الى التحقيق في الحوادث ومعاقبة المسؤولين عنها. وحذر من ان استمرار التقاعس يهدد الاستقرار الاقتصادي للعراق ويقوض الثقة الدولية. ويعكس هذا التحذير المباشر من واشنطن تصاعد القلق الدولي من ضعف الاستجابة الحكومية في بغداد وفقدان المستثمرين الثقة بقدرة الدولة على حماية اصولها الحيوية.
 
اسبوعان من التصعيد: تسلسل زمني للهجمات
 
فيما يلي ابرز الهجمات التي وقعت خلال الاسبوعين الماضيين:
•15 تموز: طائرة مسيرة تستهدف حقل سرسنك النفطي في دهوك، مسببة انفجارا كبيرا وتعليقا للعمليات.
•14 تموز (ليلا): طائرتان مسيرتان تهاجمان حقل خورمالا في اربيل، متسببتين باضرار في انابيب المياه داخل المنشأة.
•14 تموز (صباحا): اعتراض طائرة مسيرة بالقرب من مطار اربيل الدولي.
•11 تموز: قنبلة مسيرة تلقى قرب مواقع البيشمركة في جبهة بردي بكركوك.
•10 تموز: اعتراض طائرة مسيرة فوق مقر الوحدة 70 للبيشمركة في السليمانية.
•3 تموز: تحطم طائرة مسيرة قرب القنصلية الامريكية ومطار اربيل.
•1 تموز: انفجار قنبلة مسيرة في مخيم داركار في زاخو، الذي يأوي نازحين.
•30 حزيران: تحطم طائرتين مسيرتين في طاسلوجة، احداهما قرب حي سكني والاخرى قرب قاعدة للبيشمركة، ما ادى الى اندلاع حريق.
 
ورغم محدودية الخسائر البشرية، فان الاضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية خلفت تاثيرا كبيرا على العمليات الاقتصادية، واثارت القلق بين المدنيين والمستثمرين.
 
تبادل الاتهامات: الحشد الشعبي في دائرة الشك
 
اتهمت حكومة اقليم كوردستان بشكل مباشر فصائل تابعة للحشد الشعبي المدعوم من الدولة بالوقوف خلف هذه الهجمات. ففي 5 تموز، اصدرت وزارة الداخلية في الاقليم بيانا صريحا وغير معتاد، حملت فيه جماعات مرتبطة بالحشد مسؤولية حملة التصعيد بالطائرات المسيرة.
 
في المقابل، نفت الحكومة الاتحادية في بغداد هذه الاتهامات بشكل قاطع، حيث وصف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء صباح النعمان تلك الادعاءات بانها "غير مقبولة ولا تستند الى ادلة". وانتقد النعمان حكومة الاقليم لنشرها هذه الاتهامات عبر وسائل الاعلام بدلا من اللجوء الى القنوات الرسمية، محذرا من ان الخطاب الاعلامي قد يعزز الانقسامات ويضعف الوحدة الوطنية.
 
وقال النعمان: "التحديات الامنية تستوجب التنسيق والتضامن، لا الاتهامات المتبادلة عبر الصحافة".
 
رغم ذلك، تمسكت حكومة الاقليم بموقفها، حيث قالت وزارة الداخلية في بيان لاحق: "نشعر بوجود حالة من التستر والتهرب من المسؤولية"، مشيرة الى ان بغداد لم تنشر نتائج اي من التحقيقات السابقة في هجمات الطائرات المسيرة. واضاف البيان: "لم يحاسب احد حتى الان"، مما يعكس نمطا متكررا من الصمت الرسمي والتقاعس.
 
ازمة ثقة اوسع: خلفية الخلافات بين اربيل وبغداد
 
تتزامن هذه الهجمات مع تصاعد الخلافات المزمنة بين اربيل وبغداد حول ملفي الميزانية والنفط. تتهم بغداد حكومة الاقليم بعدم تسليم 400 الف برميل من النفط يوميا الى شركة تسويق النفط الوطنية (سومو)، وعدم التزامها بتوريد ايرادات المعابر والمنافذ الاخرى. في المقابل، اوقفت بغداد التحويلات المالية للاقليم، ما ادى الى عدم صرف رواتب موظفي الخدمة المدنية لشهري ايار وحزيران، وزيادة حالة الغضب الشعبي.
 
تسببت ازمة الرواتب هذه في شلل اقتصادي شبه تام داخل الاقليم. فقد تراجعت الاسواق، وتاكلت ثقة المواطنين، وازداد الضغط على القيادات الكوردية والسلطات الاتحادية للتوصل الى تسوية شاملة. ومن هنا، لا يمكن فصل تاثير هجمات الطائرات المسيرة عن هذه الخلفية، اذ ان لها بعدا امنيا واقتصاديا مضاعفا.
 
منذ ان شرع اقليم كوردستان في تصدير النفط بشكل مستقل عام 2014، تشكل مسألة تقاسم الايرادات نقطة خلاف مستمرة، ادت الى تخفيضات متكررة في الموازنة، وتاخير الرواتب، وتعميق حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في الاقليم.
 
وقد فاقم تعليق صادرات النفط من الاقليم وكركوك الى تركيا منذ 25 اذار 2023 الازمة المالية. وجاء هذا التعليق على خلفية حكم صادر عن المحكمة الدولية في باريس، اكد ان تركيا خالفت اتفاقا مع بغداد عندما سمحت بتصدير النفط الكوردي دون اذن الحكومة الاتحادية.
 
ادى هذا القرار الى اغلاق خط الانابيب في ميناء جيهان، مما حرم الاقليم والعراق معا من مليارات الدولارات من الايرادات، وفاقم الوضع المالي المضطرب في كوردستان.
 
رغم توقف التصدير الرسمي، لا يزال انتاج النفط قائما، ويتم نقل النفط الخام عبر شاحنات الى خارج البلاد، لكن عائداته لا تدخل خزينة الاقليم. وتتهم احزاب المعارضة مسؤولين في الاحزاب الحاكمة بتهريب النفط، فيما يتزايد الاستياء الشعبي من استمرار ازمة الرواتب وتفشي الفساد.
 
يحذر خبراء الامن منذ سنوات من ان الطائرات المسيرة ادخلت العراق في عصر جديد من الحروب غير المتكافئة، لاسيما في شمال البلاد، حيث تتقاطع مصالح الميليشيات المدعومة من ايران، والقوات الكوردية، والقوى الدولية. ورغم تكرار هذه الهجمات منذ عام 2021، لم تعلن الحكومة الاتحادية عن اي استراتيجية فعالة لرصد الجناة او ردعهم او محاسبتهم.
 
كما اشارت حكومة الاقليم في بيانها الصادر في 5 تموز، فان هذه ليست حوادث معزولة، بل نمط ممنهج من الهجمات التي تكررت عشرات المرات، دون ان يسمى اي من مرتكبيها او يقدم الى العدالة.
 
وينظر الى صمت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن التصعيد الاخير على انه اما مناورة سياسية محسوبة، او عجز فعلي عن كبح جماح الميليشيات المتحالفة مع ايران. وفي كلتا الحالتين، فان هذا الصمت — سواء اتى بدافع الخوف، او التواطؤ، او الضعف — يفتح الباب لمزيد من الانتهاكات، ويقوض الثقة الشعبية بالمؤسسات الاتحادية والاقليمية على حد سواء.