مع اتساع نطاق توفير الكهرباء على مدار الساعة… عائلات كوردستان تغير عاداتها وتعيد حساب التكاليف

26-07-2025 03:23
برغراف- غمكين محمد
لم تعد الاضواء تضيء منزل تانيا محمود كما في السابق. ففي حيها الواقع شرقي مدينة السليمانية، تضاءل سطوع المصابيح وتراجع عددها، لكنها تتعامل مع الوضع بمرونة وواقعية، وتتكيف مع نمط حياة جديد فرضه مشروع الكهرباء الطموح في اقليم كوردستان المعروف باسم "روناكي" اي "الاضاءة".
تقول تانيا لبرغراف: "خفضت استخدام الاجهزة الكهربائية، واصبحت احرص على اطفاء الانوار في الغرف غير المستخدمة. الاطفال كثيرا ما يقولون ان المنزل اصبح مظلما، لكنهم بدأوا يعتادون الامر".
تانيا واحدة من الاف العائلات التي اصبحت خلال الاشهر الاخيرة مرتبطة بشبكة الكهرباء الوطنية الجديدة التي توفر التيار الكهربائي على مدار الساعة. المشروع، الذي اعلن عنه رسميا في تشرين الاول 2024، يهدف الى ايصال الكهرباء بشكل دائم لجميع سكان كوردستان قبل نهاية عام 2026، في تحول يعد الاكبر في ملف الطاقة في الاقليم منذ عقود.
لكن "روناكي" لا يغير فقط طريقة امداد الكهرباء، بل يؤثر بشكل مباشر على سلوك الناس في استهلاك الطاقة وتنظيم ميزانياتهم الشهرية. وتضيف تانيا: "في السابق كنا ننتظر عودة الكهرباء لنتمكن من انجاز اي شيء. الان اصبحت الكهرباء متوفرة، لكننا مضطرون لاعادة التفكير في كيفية استخدامها لتفادي الفواتير المرتفعة".
الاسعار محل جدل… والحكومة تدافع
احد ابرز التحديات التي واجهها المواطنون بعد بدء تنفيذ المشروع هو التسعير الجديد للكهرباء. النظام المعتمد يعتمد على مبدأ الشرائح التصاعدية، اي ان السعر يزداد كلما زاد استهلاك المواطن للطاقة. ويؤكد المسؤولون ان النظام يهدف الى تشجيع الترشيد وتحقيق العدالة، الا ان مواطنين كثر يعتبرونه عبئا اضافيا، خاصة في ظل الازمة الاقتصادية.
وتوضح حكومة اقليم كوردستان ان المشروع جزء من خطة اشمل لتحديث البنية التحتية في قطاع الطاقة، وتقوده وزارة الكهرباء بالتنسيق مع جهات حكومية ومؤسسات محلية. ورغم ذلك، لا يزال الجدل مستمرا حول الكلفة، وسط مخاوف من تأثيرات اقتصادية مباشرة على الاسر متوسطة ومحدودة الدخل.
مع توسع تغطية الشبكة الوطنية، بدأت المولدات الكهربائية الخاصة، التي كانت مصدر الطاقة الرئيسي منذ تسعينيات القرن الماضي، بالاختفاء تدريجيا. ووفقا لبيانات وزارة الكهرباء، فان اكثر من ٧٠٠٠ مولدة ستزال من الخدمة خلال المرحلة المقبلة، ما سيسهم في تقليل نسب التلوث البيئي ومخاطر صحية مثل امراض الجهاز التنفسي والسرطان، الناتجة عن الدخان والانبعاثات.
السوق تتكيف… والمستهلكون يسألون عن الاستهلاك قبل السعر
تأثر السوق المحلي للاجهزة الكهربائية بشكل واضح مع التحول الى الكهرباء المستمرة. ويقول سردار خليل، وهو صاحب معرض للاجهزة المنزلية في السليمانية: "في السابق، كان الزبون يسأل فقط عن السعر والماركة. الان، السؤال الاول هو: كم تستهلك هذه الغسالة او هذه المدفأة من الكهرباء؟"
بعض الاجهزة ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة مثل السخانات الموفرة او اجهزة العاكس اصبحت مطلوبة رغم اسعارها المرتفعة نسبيا. وتلار، التي كانت تتسوق مع والدتها في احد معارض المدينة، قالت:
"لم نُوصل بعد بالكهرباء على مدار الساعة، لكننا نستعد مسبقا. نريد شراء اجهزة لن تكون عبئا عند وصول الفواتير".
اما والدتها فاضافت: "الافضل ان تدفع اكثر على جهاز جيد الان بدل ان تدفع فاتورة مرتفعة كل شهر".
ورغم هذه التحولات، يحذر خبراء من تسلل اجهزة كهربائية منخفضة الجودة الى الاسواق دون رقابة فعالة. المهندس الكهربائي كمال سعيد اوضح لبرغراف:
"كثير من الاجهزة المستوردة تفتقر الى معايير الكفاءة، وتستهلك طاقة اكثر مما يجب. هذا يحبط جهود الترشيد".
وينصح الاسر بالاستثمار في اجهزة موثوقة، وتركيب محولات نوعية، وتنظيف الفلاتر بانتظام، واعتماد مصابيح LED، والتفكير باستخدام سخانات الغاز خلال الشتاء لخفض استهلاك الكهرباء.
بحسب وزارة الكهرباء، فان اكثر من مليوني مواطن ونحو نصف مليون مشترك اي ما يعادل ٣٠٪ من سكان اقليم كوردستان باتوا متصلين بالنظام الجديد حتى منتصف عام ٢٠٢٥. ورغم هذا التقدم، فان بعض الوعود المركزية في المشروع مثل دعم المواطنين لتركيب الواح شمسية او انظمة بديلة عالية الكفاءة لا تزال دون تنفيذ.
وقال سيروان محمد، المتحدث باسم مديرية كهرباء السليمانية، لبرغراف: "حتى الان لم تُتخذ خطوات عملية بخصوص التمويل او الدعم الفني لتركيب حلول الطاقة البديلة، لكن فرقنا لا تزال تواصل تنفيذ الشبكة في جميع احياء المدينة".
الاسعار الجديدة… بالارقام
شرائح الاسعار المعتمدة لاستهلاك الكهرباء المنزلية:
•من ٠ الى ٤٠٠ كيلوواط/ساعة: ٧٢ دينارا لكل كيلوواط
•من ٤٠١ الى ٨٠٠ كيلوواط/ساعة: ١٠٨ دنانير
•من ٨٠١ الى ١٢٠٠ كيلوواط/ساعة: ١٧٥ دينارا
•من ١٢٠١ الى ١٦٠٠ كيلوواط/ساعة: ٢٦٥ دينارا
•اكثر من ١٦٠٠ كيلوواط/ساعة: ٣٥٠ دينارا
اما الاسعار للمؤسسات والقطاعات الاخرى:
•التجاري: ١٨٥ دينارا
•الصناعي: ١٦٠ دينارا
•الصناعات الكبرى: ١٢٥ دينارا
•الزراعي: ٦٠ دينارا
•المباني الحكومية (الميري): ١٦٠ دينارا
منذ الاعلان عن المشروع من قبل رئيس الوزراء مسرور بارزاني خلال زيارته الميدانية في احد احياء اربيل قبل نحو عام، لم يتوقف الجدل ولا التساؤلات، لكن الحقيقة ان المشروع بدأ يحدث تغييرا تدريجيا في نمط الحياة اليومية في اقليم كوردستان.
حتى وان لم تصل الكهرباء الى كل بيت بعد، فان الاسر مثل عائلة تانيا باتت تدرك ان التغيير قادم، وانها مضطرة للتكيف معه، مفتاحا بعد مفتاح، وفاتورة بعد فاتورة.