القبض على جلاد طال انتظاره: لحظة الحساب لضحايا الانفال

02-08-2025 04:13

برغراف

لطالما فقد علي ابو بكر، احد الناجين من حملة الانفال، الامل في اعتقال الرجل الذي كان يعرف بين الضحايا بلقب "جزار نقرة السلمان". لعقود، كان يلاحق الشائعات: ان الجلاد هرب الى سوريا، او مات في السعودية، او اصيب بالسرطان او جلطة دماغية. لكن في مساء ٣١ تموز، تلقى الخبر الذي لطالما انتظره: تم القبض على عجاج.

قال بصوت متهدج: "شعرت برضا شديد. كان اعتقاله اسعد لحظة في حياتي".

عجاج احمد حردان التكريتي، المعروف بين الناجين باسم "عجاج نقرة السلمان"، كان احد الضباط المسؤولين في سجن نقرة السلمان سيئ السمعة خلال حملة الانفال في عام ١٩٨٨. ويتهم بالاشراف على عمليات تعذيب وقتل جماعي، واختفى بعد سقوط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣، وبقي متواريا عن الانظار لنحو ٢٢ عاما.

قال ابو بكر، الذي تحدث الى "برغراف": "اريد ان اراه واسأله: لماذا فعلت كل هذا؟ الم تعلم ان يومك سيأتي؟"

كان ابو بكر يبلغ من العمر ١٢ عاما فقط عندما اعتقلت سلطات البعث عائلته. تعرض هو ووالده للتعذيب، وربطت النساء من عائلته باعمدة تحت شمس الصحراء. "كان ذلك الرجل بلا رحمة"، قال بصوت لا يزال يحمل آثار الصدمة، واضاف: "بحثت عنه منذ ذلك الحين".

اعلن اعتقال عجاج رسميا في ٣١ تموز من قبل السيدة الاولى في العراق، شاناز ابراهيم احمد، بعد جهود تحقيق استمرت ثمانية اشهر قادها مكتبها. وفي الاول من آب، اكد جهاز الامن الوطني العراقي الخبر، ونشر صورا لعجاج وهو محتجز، مكبل اليدين، بلحية بيضاء خفيفة.

كان يختبئ في محافظة صلاح الدين، ويتنقل بين بلدات تكريت والعوجة وبيجي، ويقال انه خضع لعمليات تجميل لتغيير ملامحه بهدف تفادي التعرف عليه. وقالت بيري نوري، مستشارة الرئيس وممثلة السيدة الاولى لشؤون المقابر الجماعية: "لقد اجرى عجاج عمليات تجميل، لكنه رغم ذلك لم ينج من التعرف عليه". واضافت: "ما زال ينكر الجرائم التي ارتكبها، رغم كل الادلة والشهادات".

لكن الناجين لم يترددوا في تأكيد هويته. قال ابو بكر، المقيم في مدينة جمجمال: "بمجرد ان رأيت صورته، عرفت. هذا الوجه لم يغادر ذاكرتي قط".

بحسب بيان جهاز الامن الوطني، جرت عملية الاعتقال في محافظة المثنى، بعد متابعة استخباراتية دقيقة استمرت ستة اشهر، شملت جمع معلومات، والتحقق من مصادر متعددة، بالتعاون مع مديرية امن جنوب صلاح الدين. وقد وصف عجاج في البيان بانه "احد ابرز المطلوبين من مسؤولي النظام السابق"، وشغل مناصب امنية متعددة قبل ان يصبح المسؤول عن سجن نقرة السلمان، حيث اشرف على التعذيب والاعدامات الجماعية خلال الانفال.

وكانت نقطة التحول في التحقيق هي الشكاوى الرسمية التي قدمت الى القضاء العراقي في ٢٨ و٢٩ تموز من قبل ثلاثة ناجين من الحملة: فاضلة محمد من كلار، ورزكار شمزين، وعلي ابو بكر. وقد تعاون هؤلاء مع مكتب السيدة الاولى لتحديد موقع عجاج ومتابعته.

وقال ابو بكر: "عائلته نشرت قصصا كاذبة. قالوا انه مات، او ذهب الى الخارج، لكننا لم نتوقف عن البحث". واكد علي درويش، احد اقرباء ضحايا الانفال، انه بعد تأكيد هوية عجاج ومكان اقامته، تحركت قوات الامن بسرعة. واضاف: "بعد اقل من ٤٨ ساعة من تقديم الشكاوى، تم اعتقاله".

بالنسبة للعديد من الناجين والخبراء القانونيين، فان هذا الاعتقال يمثل اكثر من مجرد سقوط رجل واحد؛ انه كسر لحالة الافلات من العقاب التي احاطت بالابادة الجماعية ضد الكورد.

قال الدكتور هونر امين، الباحث في القانون الجنائي الدولي والمتخصص في جرائم الابادة: "هذه لحظة حاسمة. احد اشرس منفذي حملات القتل ضد الكورد اصبح الان في قبضة العدالة. لكن الاهم من الاعتقال هو ما سيتبع ذلك".

ويؤكد الدكتور امين ان اعتقال عجاج يمكن ان يفتح الباب امام تحقيق اوسع يوثق جرائم حملة الانفال على الصعيدين الوطني والدولي، قائلا: "هذه فرصة لاحياء السعي نحو العدالة للضحايا. قد يكشف عن اسماء جناة اخرين، ومواقع المقابر الجماعية، وظروف السجن. انها خطوة نحو استعادة كرامة العائلات".

بين شباط وايلول ١٩٨٨، شن نظام البعث حملة تطهير عرقي اسفرت عن مقتل نحو ١٨٢ الف كوردي، وتدمير الاف القرى، وتنفيذ عمليات اعدام جماعي في ثماني محافظات. وكان سجن نقرة السلمان، الواقع في صحراء جنوب العراق قرب الحدود السعودية، احد اكثر المواقع التي شهدت انتهاكات مروعة.

الناجون يؤكدون ان اسم عجاج ارتبط مباشرة بفظائع ذلك السجن. يقول ابو بكر: "عذبني انا ووالدي. في احدى المرات، ظننت ان ابي مات، لكنه همس لي: تظاهرت بالموت، اهرب. تلك اللحظة لم تغادرني".

اليوم، مع تأكيد هوية الجلاد، يدعو كثير من الناجين الى فتح ملفات قضائية جديدة ضد شخصيات اخرى من النظام السابق. وقد دعا مكتب السيدة الاولى علنا الضحايا وعائلات المفقودين الى تقديم اي معلومات يمكن ان تسهم في دعم الاجراءات القضائية.

قال الدكتور امين: "لا ينبغي ان يكون هذا الاعتقال هو النهاية، بل البداية. كوردستان انتظرت طويلا. الان هو الوقت للتحرك".

وفي ختام بيانه، تعهد جهاز الامن الوطني بمواصلة ملاحقة المتورطين في جرائم ضد الانسانية. وقال: "ستواصل يد العدالة ملاحقة كل من تلطخت ايديهم بدماء الابرياء. لن يكون الزمن ملاذا لمن يفرون من القصاص".

اما علي ابو بكر، الذي فقد شقيقين، واربعة من ابناء عمومته، وعمه، في حملة الانفال، فقال: "لا يمكننا اعادتهم، لكن ربما، فقط ربما، يمكننا محاسبة احد الجناة".

وعن اللحظة التي قد يرى فيها عجاج وجها لوجه، قال: "لقد ظننت اننا سننساك. لم نفعل".