ربع قرن في المنفى؛ لاجئو مخيم مخمور يعلقون آمالهم على عملية السلام في تركيا

09-08-2025 11:05
مخيم مخمور للاجئين – صورة التقطت عام 2020 بعدسة فاضل هورامي

برغراف

تبعث عملية السلام المتجددة في تركيا الامل في نفوس آلاف اللاجئين الكورد المقيمين في شمال العراق، الذين ينتظرون منذ اكثر من 30 عاما فرصة العودة الى الديار التي اجبروا على تركها. بالنسبة للكثيرين منهم، ممن يواجهون قيودا سياسية صارمة او قرارات منع من دخول وطنهم الام، يشكل احتمال التوصل الى تسوية سلمية بين حزب العمال الكوردستاني (PKK) والدولة التركية بصيص امل طال انتظاره لانهاء معاناتهم الطويلة وحياتهم المليئة بالترحال والنزوح.

يقع مخيم مخمور للاجئين – المعروف رسميا باسم مخيم الشهيد رستم جودي – في منطقة متنازع عليها اداريا بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان، ويأوي منذ اكثر من ثلاثة عقود ما يزيد على 10 آلاف لاجئ كوردي من تركيا. تعتبر انقرة عددا كبيرا من هؤلاء اللاجئين اعضاء او انصارا لحزب العمال الكوردستاني. وفي ظل الظروف المعيشية القاسية وقلة الموارد، يعلق السكان آمالهم على ان تفتح مفاوضات السلام الحالية الطريق امامهم للعودة الى قراهم وبلداتهم التي تركوها خلفهم في تسعينيات القرن الماضي.

يقول محمود احمد، احد سكان المخيم، في حديثه الى برغراف: «الجميع يريد العودة الى وطنه. لاكثر من 30 عاما ونحن نعيش في المنفى، بعيدين عن ارضنا واهلنا. اعلان عملية السلام ونزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكوردستاني جعلنا نشعر باننا اقرب من اي وقت مضى الى العودة، واحيا في قلوبنا امل كبير بان نغادر حياة المخيم التي فرضت علينا». ويؤكد احمد ان الغالبية العظمى من سكان المخيم تشاركه هذا الحلم، لكنهم يدركون ان تحقيقه مرهون بتنفيذ الحكومة التركية لكامل بنود العملية، وضمان عدم تعرض العائدين لاي ملاحقة او اعتقال او تضييق امني عند العودة.

وقد زادت رسالة زعيم الحزب المعتقل عبد الله اوجلان، التي نشرت في 8 آب عبر وسائل اعلام مقربة من الحزب، من حماسة اللاجئين وآمالهم. ففي هذه الرسالة، خاطب اوجلان سكان المخيم قائلا: «كما كان اهل مخمور حجر الزاوية في نضالنا في الماضي، سيكون لهم الدور ذاته في عملية بناء السلام والمجتمع الديمقراطي. ان دورهم القيادي وتحملهم للمسؤولية امر ضروري لارثهم النضالي، ومع تقدم العملية سيعودون الى اراضيهم».

تأسس مخيم مخمور في تسعينيات القرن الماضي، وهو مسجل رسميا لدى الحكومة العراقية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة. لكن تركيا كثيرا ما ذكرت المخيم في سياق الحديث عن قنديل وسنجار، وهما منطقتان معروفتان بوجود الحزب، وهددت اكثر من مرة باستهدافه عسكريا، بل نفذت بالفعل غارات جوية على المخيم قبل انطلاق عملية السلام الحالية، ما اسفر عن مقتل اكثر من 10 اشخاص واصابة العشرات، واثار حالة من الخوف والقلق المستمر بين السكان.

وقال بوار امين، المسؤول الاعلامي في المخيم، لـ برغراف: «لم نتلق حتى الان اي اشعار رسمي بشأن العودة، لكن من المؤكد ان عودتنا مرتبطة بشكل كامل بحزمة عملية السلام. ما سمعناه فقط هو ان اللاجئين من الشمال سيعودون… لا نسميها شروطا، لكن هناك امور يجب القيام بها قبل العودة، منها الغاء احكام السجن والقرارات السياسية بحقنا، وتعديل الدستور للاعتراف بالامة الكوردية على قدم المساواة مع الامة التركية، وتعويض القرى والمنازل التي احرقت ودمرت في الصراع».

لقد خلف الصراع الممتد لعقود بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني آثارا مدمرة على مناطق واسعة في شمال كوردستان، وادى الى خسائر بشرية فادحة. كما تكبد اقليم جنوب كوردستان خسائر جسيمة، اذ تضررت عشرات القرى الحدودية ونزح سكانها، فيما قتل اكثر من 700 شخص نتيجة الاشتباكات او القصف.

ويؤكد امين ان الجميع يتطلع لعودة كريمة وآمنة، مضيفا: «كلما تسارعت خطوات عملية السلام وافرِج عن السيد اوجلان ورفاقه، اقتربت عودتنا. بعد كل هذه السنوات من الحرب، لا يوجد حل سوى السلام».

يمتد الشريط الحدودي بين العراق وتركيا لمسافة 362 كيلومترا، منها 300 كيلومتر برية، وتتميز هذه الحدود بتضاريس جبلية وعرة وسلاسل شاهقة، خصوصا في المثلث الحدودي مع ايران، وهي مناطق يتواجد فيها الحزب، ما يجعل من الصعب على بغداد بسط سيطرتها الكاملة هناك. تاريخيا، لم تكن هناك مواقع عسكرية عراقية كثيفة على طول هذه الحدود.

ويصف محمود احمد، الذي خبر قسوة الحياة في المخيم منذ شبابه، تفاصيل المعاناة اليومية، من نقص المواد الغذائية وقيود نقاط التفتيش الى الاعتقالات. ويشير الى ان الحكومة العراقية ترسل حصصا غذائية تكفي لستة آلاف شخص فقط، في حين ان عدد سكان المخيم يتجاوز العشرة آلاف، ما يدفع الكثيرين الى البحث عن عمل في مدن عراقية او في اقليم كوردستان لتأمين قوت يومهم.

ويتواجد لاجئو شمال كوردستان ايضا في مناطق اخرى من الاقليم، لكن الغالبية، خاصة من لديهم قضايا قانونية مفتوحة في تركيا، يقيمون في مخمور. ويصف هؤلاء حياتهم بانها صعبة ومثقلة بالتحديات، ويقولون ان ما يفاقم معاناتهم هو ما يعتبرونه «حصارا» تفرضه الحكومة العراقية على المخيم منذ اشهر، ويشمل قيودا على الحركة وادخال الامدادات.

من جانبه، قال رزكار محمد، قائمقام قضاء مخمور، في تصريح لـ برغراف: «حتى الان، لم نتلق اي اشعار رسمي او نطلع على خطط لاخلاء المخيم. هناك لجنة من بغداد تزور المخيم لبحث قضايا السكان واحتياجاتهم، لكن لا اللجنة ولا القوات الامنية المشرفة على المخيم تحدثت عن الاخلاء. وعندما تكون هناك خطوات رسمية بهذا الشأن، سنتخذ الاجراءات اللازمة».