
برغراف
يشهد اقليم كوردستان حالة من التفاؤل الحذر بعد التوصل الى اتفاق بين اربيل وبغداد لاستئناف تصدير النفط، منهيا توقفا استمر ثلاثين شهرا وادخل الاقليم في ازمة مالية عميقة. فقد تدفق النفط من جديد صباح يوم السبت عبر خط انابيب العراق – تركيا وصولا الى ميناء جيهان، في خطوة اعتبرت اختراقا مهما في العلاقات السياسية وقطاع الطاقة.
بالنسبة لكثير من سكان الاقليم، اثار هذا التطور املا حذرا. وقال احمد علي، وهو موظف حكومي في السليمانية، انه ينتظر خبر وصول راتب شهر تموز المتأخر من بغداد. واضاف في تصريح لموقع پەرەگراف: “نحن سعداء بهذا الاتفاق ونأمل ان ينهي ازمة الرواتب، لكننا مترددون لان الامر قد يكون مؤقتا وقد تظهر مشاكل جديدة”.
الثقة العامة لا تزال ضعيفة. ويقول احمد: “لقد اعلنوا عن اتفاقات عدة مرات من قبل، لكن المشاكل استمرت والوضع المالي بقي على حاله”.
الخلاف بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بشأن ملفي النفط والمالية ليس جديدا. فمنذ ان بدأت حكومة الاقليم بتصدير النفط بشكل مستقل عام 2014، ردت بغداد بقطع ميزانية الاقليم، مما دفع الموظفين الى سنوات من الرواتب غير المنتظمة والاقتطاعات والتأجيلات.
وتقول ليلى حسن، وهي معلمة في اربيل لم تتسلم رواتب ثلاثة اشهر من هذا العام: “العراق حصل على ما اراد وهو السيطرة على بيع نفط كوردستان وايراداته. الان لم يعد لديه اي عذر ويجب ان يرسل رواتبنا”. واضافت ان “على الحكومتين ان تدركا ان وضع الناس سيئ جدا، ولا ينبغي ان تكون الخلافات سببا لعدم دفع الرواتب”.
وعلى مدى ما يقارب عقدا، ظلت مسألة الرواتب من ابرز ازمات الاقليم. ففي الفترة بين 2014 و2019، فرضت حكومة الاقليم سياسة الادخار، محتجزة ما بين عشرة الى سبعين بالمئة من الرواتب الشهرية. اثني عشر راتبا لم تدفع بالكامل، واكثر من ثلاثين راتبا صُرفت بعد اقتطاعات. وقد ترك هذا الغموض العديد من العائلات في معاناة مستمرة، فيما ظلت الرواتب المحتجزة مصدر تذمر دائم.
وامتدت التداعيات الاقتصادية الى الاسواق المحلية. وقال كاوه احمد، وهو صاحب متجر في السليمانية: “الرواتب غير المدفوعة تؤثر بشكل مباشر على السوق وتضعف اعمالنا بشكل كبير. الناس يشترون فقط ما يحتاجونه بشدة وكثيرون يشترون بالدين”. واضاف انه رغم امله بان يجلب الاتفاق النفطي الجديد التعافي، “الا ان الامر سيستغرق اشهرا حتى ينهض السوق”.
وبموجب الاتفاق الجديد، يبلغ انتاج نفط الاقليم نحو 240 الف برميل يوميا، يجري تصدير 190 الف برميل منها عبر شركة تسويق النفط العراقية سومو، فيما يخصص 50 الف برميل للاستهلاك المحلي. وستودع الايرادات مباشرة في الخزينة الاتحادية، على ان تُمول منها رواتب موظفي حكومة الاقليم.
واعلن رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني انه اجرى اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لوضع اللمسات الاخيرة على الاتفاق. واشاد الجانبان باستئناف الصادرات باعتباره “انجازا مهما” يخدم جميع العراقيين. واكد بارزاني ان الجانبين اتفقا على ضمان حصة الاقليم في موازنة عام 2026 الاتحادية، كما بحثا اهمية تمرير قانون النفط والغاز الاتحادي المؤجل منذ سنوات.
وقال بارزاني: “شددنا على ضرورة ايجاد حل جذري لمشكلة الرواتب واستحقاقات مواطني اقليم كوردستان”، مشيرا الى ان الطرفين تعهدا بضمان دفع رواتب هذا العام.
من جانبه، اكد السوداني ان الاتفاق يفتح “فرصا اقتصادية واعدة” يمكن ان تدفع عجلة التنمية في جميع انحاء العراق من البصرة الى كوردستان. كما ناقش الزعيمان مشروع طريق التنمية، ومن المتوقع ان ترسل بغداد لجنة خاصة الى اربيل قريبا.
وكانت صادرات النفط قد توقفت في الخامس والعشرين من اذار 2023 عقب صدور حكم تحكيمي لصالح بغداد ضد انقرة بشأن خط الانابيب، مما ادى الى توقف تصدير نحو 230 الف برميل يوميا من الاسواق العالمية وحرمان اقليم كوردستان من ايرادات حيوية.
ويُنظر الى الاتفاق الجديد، الذي يتكون من ست مواد ومقدمة، باعتباره خطوة لتوفير بعض الراحة لموظفي القطاع العام، وبداية لترسيخ مكانة العراق في اسواق الطاقة الدولية. لكن يبقى السؤال مطروحا في اذهان مليون ومئتي الف موظف في الاقليم: هل سينهي هذا الاتفاق فعلا ازمة الرواتب؟