من الازدهار إلى الغبار.. جفاف سد بيباڤا في دهوك لأول مرة منذ ٣٥ عاما

29-09-2025 01:25

برغراف

لأكثر من ثلاثة عقود، وفر سد بيباڤا في ناحية سرسنك بقضاء العمادية المياه والزراعة ومصدر رزق القرى المحيطة. اليوم تحول السد إلى أرض متشققة جرداء، نتيجة الجفاف غير المسبوق والتغير المناخي الذي يضرب أجزاء واسعة من محافظة دهوك.

“شاهدت موت آلاف الأسماك وفقدان مئات الدونمات من الأراضي الزراعية عندما جف السد”، يقول المزارع آمد عيسى لـ برغراف. “منذ أيلول أصبح كالصحراء”. وحده خسر ٢٥٠ دونما من البساتين والكروم.

السد الذي شيد عام ١٩٩٠ لم يجف بالكامل طوال تاريخه، حتى هذا العام. صور حديثة تظهر حوضا يابسا أقرب إلى الصحراء، بعد أن كان مصدرا للحياة.

زحف التصحر

لطالما حذرت الأمم المتحدة من أن العراق، بما فيه إقليم كوردستان، يعد من أكثر المناطق عرضة للجفاف والتغير المناخي، حيث يحتل المرتبة الخامسة عالميا. واليوم يتجسد التحذير بوضوح: تصحر، تقلص الموارد المائية، وتراجع المحاصيل في دهوك.

تحقيق برغراف كشف أن العشرات من البرك الزراعية جفت هذا العام، ما ألحق ضررا كبيرا بالمزارعين والقرى. ولأول مرة اضطر كثيرون في العمادية إلى استخدام صهاريج المياه لإنقاذ محاصيل العنب.

آمد يرى أن سوء الإدارة ساهم في الكارثة: “كان السد بحاجة إلى تنظيف من الترسبات، كما تم نصب مضخات كبيرة كثيرة حوله”، مطالبا بتدخل عاجل من الحكومة.

آبار وأنهار وعيون تتقلص

يعتمد إقليم كوردستان على الأمطار والسدود وثلاثة أنهار رئيسية: الزاب الكبير، الزاب الصغير، وسيروان، إلى جانب آلاف الينابيع والآبار. لكن جميعها تحت ضغط شديد.

في دهوك وحدها يوجد أكثر من ٤٥٠٠ بئر. تقرير رسمي عام ٢٠٢٢ سجل أكثر من ٢٠٠٠ بئر للشرب ونحو ٢٣٠٠ للزراعة. ومن بين ٣٠٠٠ نبع طبيعي جف نحو نصفها.

“سبعون بالمئة من الزراعة الديمية تضررت”، يقول مسلح حسن، معاون مدير عام الزراعة في دهوك. “محصول الحنطة والشعير هذا العام كان ضعيفا”.

رغم أن حكومة الإقليم أنشأت ٦٠ بركة زراعية وعددا من السدود مثل دهوك وخانص وسبينس ٢ وغالي بنداوا وبيدوهي وكاشكان، إلا أن قلة الأمطار تركتها شبه فارغة. فسد دهوك مثلا، بسعة ٥٢ مليون متر مكعب، لا يحتوي الآن سوى أقل من ٢٠ مليونا.

مستويات المياه في انهيار

“الوضع المائي في دهوك سيئ بسبب قلة الأمطار”، تؤكد هيزا عبدالواحد، مديرة الموارد المائية في المحافظة، لـ برغراف. وتضيف أن المياه السطحية والجوفية معا تتراجع، حيث انخفضت مستويات بعض الآبار حتى ٣٦ مترا.

الحكومة خصصت أموالا هذا العام لمواجهة آثار الجفاف، لكن المسؤولين يعترفون أن الأزمة جزء من تحدٍ عالمي أوسع. “التغير المناخي يضرب العالم كله، وليس إقليم كوردستان فقط”، يقول حسن. “لدينا خطط لدعم الفلاحين وتنظيف قنوات المياه”.

يوجد حاليا ٢١ سدا في عموم الإقليم، ثلاثة منها كبيرة: دوكان، دربنديخان، ودهوك، بطاقة تخزين مجتمعة تقارب ١٠ مليارات متر مكعب. في حين تشير المعايير الدولية إلى أن الإقليم بحاجة إلى ١٢ مليار متر مكعب سنويا.

تهديد خطير يلوح بالأفق

الخبير في الأرصاد متين سعيد حذر من أن المياه الجوفية انخفضت بشكل مقلق، بمقدار ٥٠ مترا في بعض المناطق قرب سد الموصل، وبنسبة ٧٠٪ في عموم العراق. “هذا تهديد خطير جدا”، يقول سعيد لـ پەرەگراف.

ورغم التوقعات بموسم أمطار أفضل هذا العام، إلا أنه غير متفائل: “حتى لو كانت الأمطار ممتازة فلن تعوض شح المياه الحالي”.

ويشير خبراء آخرون إلى سوء إدارة الموارد. تحقيق سابق لـ برغراف خلص إلى أن ضعف تطبيق سياسات الترشيد وتهالك شبكات التوزيع فاقما الأزمة. وبدون تحرك عاجل، فإن مستقبل الأمن المائي في إقليم كوردستان يواجه خطرا متزايدا.