حركة الاستثمار في حلبجة ما تزال بطيئة: لماذا يتردد القطاع الخاص؟

14-10-2025 08:12

برغراف

رغم أن المستثمرين بدأوا تدريجيا بتوجيه مشاريعهم نحو محافظة حلبجة، إلا أن مستوى النشاط الاقتصادي ما يزال أدنى بكثير من التوقعات. وبينما يبدي المسؤولون المحليون تفاؤلا حذرا إزاء التحركات الاستثمارية الأخيرة، فإنهم يعترفون بوجود تحديات عميقة الجذور ما تزال تعيق التنمية في المحافظة.

من جهة، توفر حكومة إقليم كوردستان حوافز استثمارية مثل الإعفاءات الضريبية لتشجيع المستثمرين. ومن جهة أخرى، فإن تأخر إنجاز المشاريع الاستراتيجية الأساسية لنمو المحافظة، مثل البنى التحتية والطرق والمعابر، أدى إلى إحجام القطاع الخاص عن الدخول بقوة في السوق المحلية.

ورغم مرور أكثر من 11 عاما على إعلان حلبجة محافظة ضمن إقليم كوردستان، فإنها لم تحصل على الاعتراف الرسمي من الحكومة الاتحادية العراقية إلا قبل خمسة أشهر فقط. ومنذ ذلك الوقت، أطلقت السلطات المحلية عدة مشاريع طموحة، منها فتح معبر حدودي رسمي، وإنجاز جسر توواقت الذي يربط المحافظة بإدارة كرميان، إلا أن أيا من هذه المشاريع لم يكتمل حتى الآن.

مدير عام الاستثمار في حلبجة، المهندس زانيار هما نوري، أوضح في تصريح لموقع برغراف أن الحكومة مستمرة في تقديم الدعم من خلال الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الإدارية لتشجيع المستثمرين على توجيه مشاريعهم إلى حلبجة، مضيفا أن عددا ملحوظا من المستثمرين توجهوا إلى المحافظة خلال العامين الماضيين، وهو مستوى جيد مقارنة بحجمها وعدد سكانها، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الاستثمار في حلبجة عملية تدريجية تظهر نتائجها على المدى الطويل.

في 23 تموز 2025، قام رئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف رشيد بأول زيارة رسمية إلى محافظة حلبجة منذ اعتمادها رسميا كمحافظة عراقية. وخلال الزيارة، دعا إلى تخصيص موازنة اتحادية خاصة لتلبية احتياجات حلبجة، مؤكدا أنه سيقدم طلبا رسميا للإشراف المباشر على تنفيذ التخصيص من قبل رئاسة الجمهورية.

وأكد الرئيس رشيد في كلمته أن لحلبجة رمزية وطنية وإنسانية كبرى، واصفا إياها بأنها مثال للنضال والتضحية من أجل العراق والبشرية جمعاء، مشددا على مسؤولية جميع العراقيين في رعاية المدينة وضمان ألا تتكرر مأساة القصف الكيمياوي عام 1988.

تضم محافظة حلبجة، التي يقدر عدد سكانها بأكثر من 120 ألف نسمة، مركز المدينة وأقضية خورمال وبيارة وسيروان وبامو.

من جانبه، قال محافظ حلبجة سمكو سالار لموقع برغراف إن رغم التسهيلات التي تقدمها حكومة الإقليم، فإن وصول الشركات والمستثمرين إلى مدينتنا ما يزال أقل من مستوى التوقعات، مشيرا إلى أن بطء الحركة الاستثمارية يعود إلى تأخر الرواتب وضعف النشاط التجاري، وقبل كل شيء عدم فتح معبر سازان الحدودي الذي جعل حلبجة في عزلة جغرافية.

وأشار المحافظ إلى أن المحافظة تحتاج إلى دعم كبير ومتعدد الجوانب لتطويرها.

وبحسب تقرير سابق لبرغراف، فإن أقل من أربعة مليارات دينار فقط من أصل أربعين مليار دينار خصصت لحلبجة عام 2022 تم صرفها فعليا على الأرض، فيما تحول إيرادات المحافظة إلى جهات أخرى بدلا من إعادة استثمارها محليا.

النائب السابق لمحافظ حلبجة، كاوه علي، أوضح أن بعض النشاط الاستثماري بدأ يظهر منذ نهاية عام 2024، لكن رغم مبادرات المجلس الأعلى للاستثمار، فإن الفرص في حلبجة ما تزال محدودة، مشيرا إلى أن عدم فتح معبر سازان وتأخر تنفيذ جسري توواقت وسيد محمد وأكثر من مئتي مشروع آخر أبقى المحافظة في عزلة جغرافية، وهو ما يجعل المستثمرين مترددين في القدوم إليها.

يذكر أن حلبجة نالت صفة المحافظة في 13 آذار 2014 بقرار من رئيس حكومة الإقليم آنذاك نيجيرفان بارزاني، وأصدر رئيس الإقليم مسعود بارزاني المرسوم الرسمي في 16 آذار من العام نفسه. وفي 14 نيسان 2025، صادق مجلس النواب العراقي على قانون جعل حلبجة المحافظة التاسعة عشرة في العراق، ودخل القانون حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية في 5 أيار 2025.

ورغم مرور أكثر من عقد على تحولها إلى محافظة، فإن العديد من الدوائر الحكومية لم تستكمل بعد، ما خلق عوائق بيروقراطية أمام المستثمرين الذين يحتاجون إلى مؤسسات محلية لإتمام معاملاتهم. وأشار مدير عام الاستثمار إلى أن تأخر صرف رواتب الموظفين أثر أيضا في كفاءة الدوائر الحكومية وساعات عملها، مما زاد من صعوبة الإجراءات للمستثمرين.

كما أضاف كاوه علي أن المستثمرين يختارون بطبيعة الحال المواقع التي تتوافر فيها بنى تحتية وخدمات وأمن مستقر، وحلبجة ما تزال تعاني نقصا في هذه الجوانب.

ورغم كل هذه التحديات، فإن بعض المستثمرين المنحدرين من حلبجة يواصلون تنفيذ مشاريع في محافظتهم بدافع الانتماء والمسؤولية، مثل رجل الأعمال المعروف آسو حاجي محمد باموكي، الذي أنجز عدة مشاريع في حلبجة خلال العقد الماضي، وأحدثها مشروع مصنع ألبان كبير في المدينة يتوقع أن يغطي 20 في المئة من حاجة السوق العراقية من منتجات الألبان ويوفر فرص عمل واسعة للسكان المحليين.

ويؤكد المسؤولون المحليون أن مستقبل التنمية في حلبجة يعتمد على تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص، من خلال استكمال المشاريع الاستراتيجية المتوقفة، وتعزيز المؤسسات الإدارية، وفتح المعبر الحدودي المنتظر. وفي المقابل، يدعى المستثمرون إلى النظر إلى حلبجة ليس فقط كمكان للربح، بل كمحافظة تستحق الاستثمار طويل الأمد والدعم المستمر.

تحمل حلبجة رمزية عميقة في الذاكرة العراقية باعتبارها موقع المجزرة الكيمياوية التي ارتكبها نظام صدام حسين عام 1988، والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف مدني. واليوم، تتطلع المحافظة إلى مرحلة جديدة من الاستثمار العام والإدارة الفاعلة والتمثيل الأوسع على المستوى الوطني.