 
                                                                            برغراف
مع تفاقم التلوث الناتج عن مصافي النفط المنتشرة في أطراف مدينة دهوك، بدأ عدد متزايد من السكان في مناطق باستيك وكواشي التابعة لقضاء سميل بعرض منازلهم للبيع بأسعار منخفضة، بعدما تحولت الحياة هناك إلى معاناة يومية بسبب الدخان الأسود والروائح الخانقة.
إدريس حسن، أحد سكان منطقة باستيك، كتب على جدار منزله عبارة “للبيع” منذ فترة طويلة، لكنه يقول إن أحدا لم يسأله عن السعر، مضيفا بغضب “نحن لا نسميها مصافي بل مصانع لنشر السموم بين الفقراء وذوي الدخل المحدود”.
السكان يؤكدون أن الأدخنة تغطي سماء المنطقة بشكل شبه دائم، فيما تشكل المخلفات السائلة القادمة من المصافي مجاري سوداء في التربة المحيطة. ويقول إدريس “لو وجدت من يشتري المنزل سأبيعه فورا، فقد تجاوزت المصافي كل الحدود، وفقد الناس الأمل بإغلاقها نهائيا”، مشيرا إلى أنهم لم يتمكنوا من تشغيل أجهزة التبريد خلال الصيف لأن الهواء الملوث يتسرب إلى المنازل.
ورغم صدور أكثر من عشرة قرارات حكومية منذ عام 2010 لإغلاق المصافي غير القانونية في دهوك، فإن معظمها لم يُنفذ، وآخرها قرار صدر عام 2021. ووفقا لمصادر في القضاء، كانت جميع المصافي غير المرخصة البالغ عددها أكثر من 45 متمركزة في قضاء سميل، لاسيما في قرية كواشي، وما زال نحو عشر منها يعمل فعليا.
صالح رمضان، مختار منطقة باستيك، قال لموقع “برغراف” إن “الروائح الكريهة والأدخنة لا تزال مستمرة وتسبب إزعاجا كبيرا للسكان، لذلك يفكر كثيرون في الانتقال إلى مناطق أخرى”، مؤكدا أن الجهات الحكومية لم تتخذ أي إجراءات فعلية حتى الآن.
وبحسب متابعة موقع “برغراف”، فإن نحو 40 بالمئة من العائلات المقيمة في باستيك – البالغ عددها 360 عائلة – تفكر بترك المنطقة، كما أن عددا من سكان قرى كواشي وآسيهي وبلقوس وميسريك وغيرها ينوون الهجرة أيضا.
دراسات بيئية سابقة أظهرت أن المصافي الصغيرة وغير المرخصة تسببت بتلوث واضح في الهواء والتربة المحيطة، في خرق مباشر لقانون حماية وتحسين البيئة رقم 8 لسنة 2008، الذي يفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن وغرامات مالية قد تبلغ 200 مليون دينار.
ويقول خالد يوسف، وهو خبير في بيع وشراء العقارات، إن أسعار الأراضي والمنازل قرب المصافي انخفضت إلى أقل من النصف، موضحا أن “الناس خسروا مرتين: من جهة انخفضت قيمة منازلهم بشكل كبير، ومن جهة أخرى تضررت صحتهم بسبب الأدخنة المستمرة”.
من جانبه، أكد محمد طاهر، المدير السابق لدائرة بيئة دهوك، أن المصافي في كواشي كانت قد أغلقت لفترة، لكن أصحابها أعادوا تشغيلها عندما علموا أن مصافي أربيل ما زالت تعمل، مشيرا إلى أن “جهات نافذة تقف وراء هذه المصافي، ولذلك يصعب إغلاقها”.
وأضاف أن العديد من تلك المصانع تعمل تحت غطاء “معامل للبلوك والإسفنج وغيرها”، الأمر الذي يعقد إجراءات الرقابة والإغلاق، فيما يضطر السكان إلى مغادرة منازلهم هربا من التلوث.
وحاول موقع “برغراف” التواصل مع مدير بيئة دهوك دلشاد عبدالرحمن دون جدوى، في وقت تواصل فيه منظمات بيئية مطالبتها بإغلاق المصافي المخالفة وتطبيق القوانين البيئية بصرامة، محذرة من أن استمرار التلوث في دهوك يهدد الصحة العامة ويرفع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية.
وقال خليل محمود، قائممقام قضاء سميل، لـ”برغراف” إن لجنة خاصة شكلت على مستوى إدارة المحافظة لمتابعة ملف المصافي، لكنها لم تصدر بعد أي قرارات تنفيذية، مضيفا أنه “حتى الان لا يعرف إن كانت المصافي لا تزال تعمل أم توقفت فعلا”.
ورغم مرور أكثر من 15 عاما على أول قرار حكومي بإغلاق مصافي دهوك غير القانونية، فإنها ما زالت تعمل جزئيا، لتبقى سمومها اليومية دافعا رئيسيا لهجرة السكان من بيوتهم التي لم تعد تصلح للحياة.